Thursday, February 04, 2016

المجلس القومي لحقوق الإنسان - أخطاء يجب أن لا نكررها




انتهت فترة عمل المجلس القومي لحقوق الإنسان بمجرد اتمام عملية انتخاب البرلمان وبدء أعماله، وأصبح التشكيل الحالي مسؤول عن تسيير أعمال المجلس لحين قيام البرلمان باختيار التشكيل الجديد وإرساله لرئيس الجمهورية للتصديق عليه، وهو الأمر الذي يجعلنا نقف طويلاً على أسباب الأداء الغير مرضي الذي قام به المجلس القومي في تشكيله الحالي، وكيفية تجنب ذلك في التشكيل الجديد لما للمجلس القومي من أهمية وثقل محلي ودولي. 

تشكل المجلس القومي لحقوق الإنساني في دورته الحالية منذ صيف 2013، أي بعد الإطاحة بنظام الإخوان المسلمين بشهرين فقط، وقامت حكومة الببلاوي وقتها بعملية الاختيار والتعيين نظراً لعدم وجود برلمان ليقوم بهذه المهمة وفقاً للدستور، وجاءت أغلب الاختيارات على طريقة المجاملة السياسية أو ربما ضمان ولاء القيادات اليسارية المعروفة، والتي تشكل معظم الجيل الثاني من المجتمع المدني الحقوقي في مصر، حيث لجأ أغلبهم في التسعينات وبداية الألفية لتأسيس منظمات حقوقية بعدما ضاق بهم الحال في المتسع السياسي، وتحول معظم الأحزاب التي ينتمون إليها إلى أحزاب كرتونية إما بفعل الدولة، أو لأسباب أخرى تتعلق بتمسك هذه الأحزاب بقيم قديمة لم تعد مناسبة لتطورات الألفية الجديدة. 

وقد كان لاتجاه أغلب النشطاء السياسيين من فصيل اليسار وقتها إلى المجتمع المدني كمتنفس بالغ الأثر في تبرير خطيئة خلط العمل المدني بالعمل السياسي، مما أدى إلى إنحراف المجتمع المدني عن مساره وإساءة استغلاله لأغراض سياسية. 

وبحكم الزمن والتجربة، أصبحت قيادات الجيل الثاني من المجتمع الحقوقي - اليساري (إذا صح التعبير) في مصر رموزاً لجأت لها حكومة الببلاوي لتعيينها في المجلس القومي لحقوق الإنسان في 2013. فأحضروا معهم نفس الخلط ونفس الخلل الذي أحدثوه في المجتمع المدني إلى مؤسسة وطنية تابعة للدولة، دورها الأساسي هو دعم سياسات الدولة المتعلقة بحقوق الإنسان وتحفيز مؤسسات الدولة على اتخاذ مسألة حقوق الإنسان في الاعتبار وإمداد المجتمع الدولي بحقائق عن حالة حقوق الإنسان في مصر بشكل دوري يبطل أي محاولة معادية لتشويه مصر تحت ستار الحقوق والحريات كما رأينا وعانينا في الشهور الماضية. 


لكن بدلأ من أن يقوم المجلس القومي لحقوق الإنسان بهذا الدور، وجدناه في أغلب الوقت متراخٍ ومفكك، ويعاني من الصراعات الداخلية الغير مبررة بين أعضائه، وكلها صراعات قائمة على اختلافات في وجهات النظر السياسية بين دعم الدولة أو معادة الدولة، وليس في صميم العمل الحقوقي المنوط بهم أداؤه. 

وجرت العادة عند المجلس القومي لحقوق الإنسان، بتشكيله الحالي، كلما أراد أن يثبت أنه يعمل، أن يضرب على الجرح القديم في جسد الدولة بأن يعلن العداء لوزارة الداخلية، مرة من خلال بيانات تتحدث عن وقائع فساد أو تعذيب تمت قبل الثورتين، ومرة بتعمد إحراج الوزارة بعمل تصرفات غير مسؤولة مثل الزيارة المفاجئة للسجون، وهو أمر مخالف للقانون أصلاً، وعندما تطالبهم الوزارة بالحصول على تصريح أولاً وفقاً للقانون، يخرجوا إلى الإعلام الدولي مشهرين بها. 

حتى عندما كانت تدعوهم وزارة الداخلية بنفسها لعمل زيارات للسجون، كانوا يعودون من الزيارة ليملأوا الإعلام الدولي والمحلي صخباً بخناقات ليس لنا بها شأن، لمجرد أن بعض أعضاء المجلس أشاد بتطوير ما أو أثنى على أداء الداخلية في أمر ما، مثلما حدث في واقعة التشهير التي قادها جورج إسحق وراجية عمران ضد المحامي المحترم حافظ أبو سعدة الذي يعد واحداً من قلة قليلة جداً داخل المجلس تعي وتفهم بالضبط الفرق بين الحزب السياسي والمؤسسة الوطنية. 

الطريف، أنه صدرت تصريحات اليوم وأمس على لسان قيادات في المجلس القومي لحقوق الإنسان بأنهم حددوا في اجتماعهم هذا الشهر بعض المواعيد لزيارة أماكن الاحتجاز، للمرة المليون، ونسوا أن مدة عمل المجلس قد انتهت بمجرد انتخاب مجلس النواب، وأن دور التشكيل الموجود حالياً هو فقط تسيير أعمال المجلس الإدارية الداخلية لحين صدور قرار بالتشكيل الجديد. 

مشاكل أماكن الاحتجاز والسجون في مصر معروفة للجميع وليست سراً، وهي إما مشاكل مرتبطة بالفساد من جانب أفراد الشرطة (مثلاً: إهانة المواطن، تعذيب، رشوة، إلخ) أو ظروف احتجاز غير آدمية (مثلاً: التكدس، ضيق أماكن الاحتجاز، عدم وجود أماكن نوم، عدم وجود مصادر تهوية جيدة). ولا أعرف ما الذي سيضيفه زيارة أخرى لهذه الأماكن من جانب المجلس القومي؟ 

لو أن المجلس القومي استغل ربع الوقت الذي استغله في تنظيم الزيارات والخناقات التي تتبع كل زيارة لسجن، في أن يساعدوا وزارة الداخلية التي تعمل بكد منذ سنوات على تطوير السجون وأماكن الاحتجاز وتدريب أفرادها على مراعاة معايير حقوق الإنسان في عملهم، لكان المجلس قد أدى دور يمكن أن نشكره عليه الآن في نهاية فترة عمله الحالية. 

لكن رب ضارة نافعة، ولعل هذا يكون تنبيه للسادة أعضاء البرلمان في التدقيق في اختيار أعضاء مجلس حقوق الإنسان في تشكيله الجديد، بحيث يتم مراعاة الخبرة الحقوقية، والتنوع العمري والأيديولوجي بين الأعضاء، مع تعديل قوانين عمل المجلس القومي لتلزم كل الأعضاء بعدم الخلط بين التوجهات السياسية للعضو وعمله الحقوقي داخل المجلس، حتى لا نكرر نفس الخطأ في وقت يتربص فيه العالم بنا.